المقدمة: إننا في كثير من الأحيان نجد أنفسنا نستخدم كلمة الأرستقراطية لوصف الأشخاص أو الأشياء أو حتى السلوكيات الراقية والفاخرة وأحيانًا الثرية، والأرستقراطية هي تلك الطبقة الاجتماعية المكونة من النُخبة والتي ظهرت في المجتمعات الأوروبية منذ العصور القديمة وحتى القرن التاسع عشر، وقد تمتعت تلك الطبقة على مدار هذه السنوات الطويلة بالكثير من الامتيازات والمناصب دون وجه حق في كثير من الأحيان؛ حتى أثارت تلك الأوضاع غضب وسخط بقية طبقات الشعب وأدت إلى اضطراب الأوضاع الاجتماعية والسياسية في كثير من أنحاء (أوروبا).
ظهرت كلمة أرستقراطية للمرة الأولى في العصور القديمة في بلاد الأغريق، ولم تكن تشير حينها إلى مجموعة من الأشخاص تجمعهم صفات وسلوكيات محددة ويمثلون طبقة اجتماعية معينة، بل كانت تُشير إلى نوع من أنواع الحكم السياسي الذي يقتصر على حكم الصفوة وهم مجموعة الحكام والقادة أصحاب الخبرة والمعرفة في كيفية تحديد المصلحة العامة للناس، وقد أطلق عليهم (أفلاطون) في كتابه (الجمهورية) اسم الوصاة، وقد قام (شيشرون) في القرن الأول قبل الميلاد وبتأثير من اطلاعه على أفكار (أفلاطون) وتلميذه (أرسطو) حول حكم الأفضلية بشنّ هجوم حاد على الديمقراطية كأحد أشكال الحكم؛ فقد كان ينظر لها على أنها سيطرة العوام بدلاً من حكم الأفضلية من الأشراف والفرسان.
لكننا سنرى كيف ستتحول تلك الطبقة من كونها طبقة تعمل على التفكير في المواطنين ومصالحهم العامة -وذلك في العصور القديمة -إلى طبقة تفتخر بثرائها ومكانتها وتحاول استغلالهما للحصول على الاحترام والامتيازات وغيرهما في العصور التالية؛ أي أن ذلك النوع من الحكم تحول شيئًا فشيئًا من حكم الأقلية الفاضلة إلى حكم الأقلية الثرية، فقد كان القضاة وأصحاب المناصب العامة يُختارون في كثير من الأحيان على أساس ثرواتهم وممتلكاتهم.
كان هناك معايير أخرى يتم من خلالها الانتماء إلى الطبقة الأرستقراطية بخلاف الثراء والثروة، من بينها نبالة المولد والانتساب لنسل من الشخصيات الأرستقراطية أو الانحدار من سلالة أصحاب المناصب، وقد كانت تلك السلالات تطلق على نفسها اسم النبلاء وقد كان لقب نبيل في اللغة الإيطالية يعني أيضًا معروف، وكان المنتمون إلى تلك الطبقة يعتبرون أنفسهم أفضل من الناس جميعًا وأنهم قد ولدوا بميزات وصفات لا يمتلكها غيرهم، وبالإضافة إلى النسب والثراء اللذين يجعلان المرء ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية التي تضم الأشراف والنبلاء، هناك القتال حيث كانت النبالة تعني الشجاعة في ساحة المعركة لكن ذلك لم يمنع تواجد العديد من النبلاء الذين لا يقاتلون.
هناك أيضًا بعض السمات والأنشطة التي تقوم بها كثير من العائلات كي يتم استيعابهم في طبقات الأرستقراطيين والنبلاء من بينها: ركوب الخيل وجمع الأراضي وكثرة الخدم والتابعين، وفي بعض الأحيان كان الانتماء لطبقة الأرستقراطية يمكن أن يُشتري حيث تقوم العائلات بدفع مبالغ طائلة من المال للحكام لأجل الحصول على النبالة أو على المناصب المرموقة، وكان ذلك لأجل الحصول على تلك الامتيازات التي تحصل عليها تلك الطبقة كشعار النبالة الذي يقومون بإرتدائه وممارسة الصيد التي كانت حكرًا عليهم فقط، والإعفاء من الضرائب المباشرة، كذلك كان يُسمح لهم بإرتداء ملابس تميزهم عن الآخرين، كما كان حمل السيوف يقتصر على النبلاء الفرسان فقط ولم يجرؤ أحد على كسر ذلك القانون.
كان النبلاء يدافعون باستماتة للحصول على تلك الحقوق والامتيازات إلى الحد الذي يدفعهم لرفع دعاوى قضائية من أجل الدفاع عنها لكنهم في المقابل لم يكن عليهم إلا قليل من الواجبات المفروضة كواجبات الفرسان من النبلاء تجاه الملك والخدمة العسكرية، لكن تلك الواجبات لم تكن تعني قط قبول النبلاء خضوعهم للسيادة الملكية فقد كانوا يعتبرون قبولهم بسيادة الملك مجرد مقابل لضمانه وحفاظه على حرياتهم وامتيازاتهم. وعلى الرغم من التاريخ الطويل لتلك التحالفات التي جمعت بين الملوك والنبلاء لمواجهة ثورات عامة الشعب، فإن التاريخ يزخر كذلك بثورات النبلاء ضد السلطة، فضلاً عن الإطاحة بالحكام أو قتلهم على يد رجال نبلاء ساخطين.
لا يعتقد الأرستقراطيون أنهم أفضل من جميع البشر فحسب، بل إنهم ينظرون إلى تلك الأفضلية والتميز على أنهما أحد مظاهر الميل البشري الطبيعي للخضوع وتقبل حكم من هم أفضل منهم ويتفوقون عليهم. هناك العديد من الأساطير الأخرى التي ينسجها الأرستقراطيون حول أصولهم، حيث يشيرون إلى انتمائهم لنفس السلالة التي تمتد حتى الطبقة الأرستقراطية التي كان منها حكام روما القديمة، على الرغم من أن معظم الطبقات الأرستقراطية الحديثة التي تم تعقب هويتها الجماعية لم تصل أصولها إلى فترة أبعد من الغزوات البربرية التي تمت في أوائل العصور الوسطى، ويبدو الغزو في هذه الحالة أحد الأسباب التي ساعدت تلك الطبقة الأرستقراطية على تثبيت تفوقها.
وسنجد أن فكرة الأصول والنسب الذكوري غير المنقطع الذي يمتد إلى أزمان سحيقة أحد أهم الأفكار التي تستحوذ على اهتمام الأرستقراطيين والنبلاء؛ حيث أنها تؤدي إلى رفع مكانتهم وافتخارهم بأنفسهم وبعائلاتهم التي ينتسبون إليها، وقد كانوا يدفعون مبالغ طائلة لعلماء الأنساب كي يقوموا لهم بإعداد شجرة العائلة الخاصة بهم وعلى الرغم أن أية عائلة أرستقراطية لا يمكنها الحفاظ على نسب ذكوري غير منقطع لأكثر من ثلاثة أجيال متعاقبة، فسنجد أن هناك بعض العائلات التي سعت إلى الحفاظ على نسبها واسمها من خلال زواج إحدى الوريثات من أحد أبناء عمومتها الذي يحمل اللقب نفسه أو أن يغير زوجها لقبه إلى لقبها ولقب عائلتها.
وانتقال تلك الصفة من خلال الدم والولادة يمنح الطبقة الأرستقراطية استمرارية لا نهاية لها، لكن تلك الاستمرارية تواجهها نمط الحياة الأرستقراطي الذي يتطلب ثروات ونفقات طائلة تجعل أمر الاحتفاظ بالنبالة أمرًا صعبًا يتطلب كذلك الحفاظ على الثروة، وذلك من خلال الحد من حجم الأسرة لتقليل عدد المطالبات المحتملة فيما يتعلق بممتلكات الأب؛ لذا فقد كانت الفتيات في العائلات النبيلة تعانين من الحظ السيء كما كان يتم النظر لهن من عائلاتهن على أنهن عبء عليهن؛ حيث كان على الفتيات المؤهلات للزواج دفع مهور مناسبة وحتى أولئك اللاتي لا يرغبن في الزواج كانت أديرة الراهبات أيضَا تطلب منهن تقديم مهور لأجل الالتحاق بها، أي أنهن من وجهة نظر عائلاتهن يستنزفن أموالها سواء تزوجن أم لا ودون حتى أن يتمكن من الحفاظ على اسم العائلة.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان